- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، بتحية الإسلام الجميلة نحييكم ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مرحباً بكم مستمعينا الأكارم في حلقة جديدة من مجلس العلم والإيمان مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا وأستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
اللهم آمين ، ونحن وإياكم وكافة مستمعينا الكرام ، دكتور محمد حلقتنا عن اللغو في الكلام ، نبدأها بما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم ، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
وأيضاً قول ربنا سبحانه وتعالى :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾
ونبدأ مع فضيلتكم بتوضيح المفاهيم ، والمقصود بمصطلح اللغو في الكلام دكتور ؟النجاح أحادي أما الفلاح فشمولي :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، بارك الله بكم أستاذنا ، الحقيقة قال تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
لا بد من وقفة متأنية عند كلمة أفلح ، قد تحقق ثروة طائلة ، هذا نجاح ، قد ترتقي إلى منصب رفيع هذا نجاح ، قد تسعد في بيتك هذا نجاح ، فالنجاحات أحادية ، أما الفلاح شمولي ، أنت إذا دققت في علاقتك مع الله وكانت جيدة ، وفي علاقتك مع أهل بيتك وكانت جيدة ، وفي علاقتك مع عملك وكانت جيدة ، وفي صحتك كانت جيدة ، هذا يسمى بدل النجاح فلاح ، لأنه شمولي ، ولأن أي خلل في هذه الأربع ينعكس على الثلاثة ، الصحة؛ أهمل صحته، وقع بأمراض وبيلة ، هذه الأمراض أفسدت عليه عمله ، وأسرته ، ونشاطاته .فأنا أقول : النجاح أحادي أما الفلاح شمولي ، وأنا اجتهاد مني ، يوجد علاقة مع الله ، يوجد علاقة مع الأهل ، بيتك ، زوجتك ، أولادك ، بناتك ، أصهارك ، هذه علاقة ، ويوجد علاقة بالعمل ، أنت عملك صغير ، كبير ، نافع غير نافع ، مربح غير مربح ، في شبهات ، في مواد محرمة ، في علاقة مالية فيها ربا ، وبعد ذلك مع صحتك ، لأن الصحة قوام الإنسان ، الإنسان حينما تتراجع صحته فهذه مشكلة كبيرة ، فأنا أتمنى على الأخوة المستمعين والمشاهدين أن يعتقدوا أكيداً ومؤكداً أن الإنسان لا يسمى ناجحاً بل يسمى فالحاً حينما ينجح في الخطوط الكبرى في حياته ، خط إلى السماء ، وخط إلى الأهل ، وخط إلى من حولك ، وخط إلى صحتك ، هذا هو الفلاح .
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
المذيع :وهل اللغو دكتور في الكلام يعيق نجاح الإنسان في حياته ؟
البحث عن الحقيقة أحد مقومات نجاح الإنسان في حياته :
الدكتور راتب :
طبعاً ، اللغو كلام لا معنى له ، لا طائل منه ، لا نتيجة له ، لا ثروة أو لا حصيلة تحققها منه ، اللغو كلام ملغي ، كلام ينبغي أن يلغى ، أحياناً تسهر سهرة للساعة الواحدة ليلاً على الأسعار ، لا ارتفعت الأسعار بتشددك ولا انخفضت ، ولكنك أضعت وقتاً ثميناً جداً .
والحقيقة الدقيقة جداً ما من تعريف جامع مانع رائع قطعي للإنسان كهذا التعريف للإمام الجليل الحسن البصري ، قال : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
فأنت زمن بتعريف الإمام الحسن البصري ، بضعة أيام ، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن ، قال لك :
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
فجاء جواب القسم : إنك خاسر .﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
رحمة الله بالإ ، بعد إلا يوجد أربعة بنود .﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
لابد من أن تبحث عن الحقيقة ، ما سر وجودك ، ما غاية وجودك ، لماذا جئت إلى الدنيا ، ما الموت ، ماذا بعد الموت ، ما الدار الآخرة ، ما الجنة ، ما النار ؟ هذه حقيقة ، فالبحث عن الحقيقة أحد مقومات نجاح الإنسان في حياته ، الشيء الثاني علاقاتك ، لأنك زمن، الآن علاقتك :﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
لابد من أن تأتي حركتك ، أنت كائن متحرك ، هذه الطاولة كائن سكوني ، أنت أيها الإنسان كائن متحرك ، ما الذي يحركك ؟ الحاجة إلى الطعام ، حفاظاً على بقاء الفرد ، ما الذي يحركك ؟ الحاجة إلى الزواج ، حفاظاً على بقاء النوع ، وما الذي يحركك ؟ التفوق حفاظاً على بقاء الذكر ، والأربعة تتحقق ضمن الدين .حاجة الإنسان إلى أن يزداد علماً وقرباً من الله عز وجل :
الدكتور راتب :
الحفاظ على بقاء الفرد :
﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
مسموح ، إلا المحرمات نسبتها إلى المباحات واحد بالمئة ، الخمر محرمة ، واللحم الميت والأشياء الأخرى ، أما مئة ألف نوع من الطعام بين خضراوات ، بين فواكه ، بين لحوم ، كلها مباحة ، فالشيء الأول :﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
أي عمله صالح ، أي أن عمله يعكس إيمانه ، عمله يصلح للعرض على الله ، عمله خالص وصواب ، خالص ما ابتغى به وجه الله ، وصواب ما وافق السنة .﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
أيديولوجياً ، فلسفياً ، عقدياً ، أول قسم أيديولوجي ، إيمانه ، فهمه للدين ، فهمه للآخرة ، فهمه للدنيا ، فهمه لسعادة الإنسان ، فهمه للزواج ، فهمه للانحراف ، فهمه للمعاصي وآثارها الوبيلة في المجتمع .﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
لا يكفي .﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
جاءت حركتهم متوافقة مع إيمانهم ، لذلك ورد في بعض الأدعية :"لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً " ، فأنت بحاجة إلى أن تزداد علماً وقرباً من الله عز وجل .
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
هذه الدعوة إلى الله كفرض عين ، أي مسلم على وجه الأرض مفروض عليه أن يدعو إلى الله ، لكن في دقة بالغة ، في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، مثلاً حضر خطبة جمعة تأثر بآية تأثراً بالغاً ، ذكرها لزوجته ، أو لأولاده ، أو لأخوانه في العمل .المذيع :
أدى ما عليه من فرض الدعوة .
التبحر في الدعوة يحتاج إلى تعمق وتفرغ وعلم غزير :
الدكتور راتب :
هذه الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، الآن :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أي صبر على معرفة الله أولاً ، وعلى العمل بمنهجه ثانياً ، وعلى الدعوة إليه ثالثاً ، هذه الآية لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم ، جامعة مانعة ، سورة العصر ، فأنت فالح ، وناجح ، ومتفوق ، حينما تصح عقيدتك وتصح استقامتك وعملك الصالح ، وحينما تؤدي زكاة مالك مثلاً ، وحينما تعرف قيمة الوقت ، وأنت بضعة أيام ، وهذه السورة مهمة جداً :﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أما التبحر في الدعوة تحتاج إلى تعمق ، وإلى تفرغ ، وإلى علم غزير ، هذه إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، هذه فرض كفاية ، التبحر في الدين ، والتعمق به .مثلاً : مظلي أعطي مظلة ، هذا المظلي يجهل ما شكل مساحة القماشة للمظلة ، يا ترى بيضوي ؟ مستطيل ؟ أم دائري ؟ أم مربع ؟ لا يعرف ، يجهل نوع الخيوط التي صنعت منها المظلة ، لا يعرف ، يجهل كم حبل في المظلة ، لا يعرف ، يجهل ألوان الحبال لا يعرف ، يجهل من أي مادة صنع الحبل ، مثلاً صوف طبيعي أم تترون مثلاً ، لا يعرف ، كل هذه المجهولات لا قيمة لها ، إلا أنه إذا جهل طريقة فتحها نزل ميتاً ، عليه أن يعلم طريقة فتح المظلة فقط .
هذا الكلام عُبر عنه في الدين ما ينبغي أن يعلم في الضرورة ، ليس كل الناس فقهاء حافظين فقه أبي حنيفة ، أنت يجب أن تكون فقيهاً في الزواج لأنك تزوجت ، معاملة الزوجة ، تربية الأولاد ، الأحكام الشرعية في حرفتك ، تاجر أو طبيب ، الطبيب عنده أحكام غير أحكام التجارة ، التجارة فيها إنجاز بعت بضاعة ، سلمتها ، أما الطبيب ليس مكلفاً بالشفاء ، يبذل جهده .
فعندنا أحكام دقيقة متعلقة بحرفتك ، وبأسرتك ، فلابد من علم ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، كالمظلي إذا علم طريقة فتح المظلة نزل سالماً .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، من هذا الكلام الجميل جداً دكتور ، أعود إلى نقطة اللغو في الكلام ، وهي للأسف منتشرة كثيراً دكتور ، لو أردت أن تقدم لنا مفهوماً ، اللغو في الكلام دكتور هو ما لا يفيد ويضر أم هو سيئ الكلام ؟
المعية العامة والمعية الخاصة :
الدكتور راتب :
مبدئياً لا يفيد ، إذا أمضيت سهرة بأكملها حتى الساعة الثانية ليلاً ، عن الأسعار وارتفاعها في العالم ، ولا تقدر أن توقف رفعها ، ولا أن تحضر مواد تنافس ، لا تملك شيئاً إلا أن تصاب بكآبة ، والآن أخي الكريم أكبر مرض نفسي في العالم الكآبة ، الكآبة نسبتها في العالم كما حدثنا بها عالم نفس كبير ، قال : بالمئة مئة واثنين وخمسين ، أي مئة شخص يعانون من كآبة واثنان وخمسون يوجد معهم كآبتان ، الكآبة عقاب الذات لنفسها .
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
أنت مبرمج ، مولف ، مفطور على طاعة الله ، أي أمر أمرك الله به برمجك ، ولفك ، فطرك على محبته ، والدليل :﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾
فأنت حينما تقيم منهج الله تشعر براحة نفسية عجيبة جداً ، لا يوجد إنسان اهتدى إلى الله وتاب توبة نصوحة إلا وقال لك أنا أسعد إنسان .وأنا أقول للأخوة المستمعين والمشاهدين : إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فعندك مشكلة مع الله ، إله بيده كل شيء ، الكون كله بيده ، الطعام بيده ، اللباس بيده ، الرزق بيده ، الأموال بيده ، النجاح بالعمل بيده ، زواجك بيده ، أولادك بيده ، إذا كنت مع الله كان الله معك ، ما معنى معية عامة ، ومعية خاصة ؟ قال تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
هذه معية عامة ، أي معكم بعلمه فقط ، أما :﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
معهم بالنصر ، والتأييد ، والدعم ، والتوفيق ، فالمعية الخاصة شيء رائع جداً .إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ، ويا ربي ماذا فقد من وجدك ، وماذا وجد من فقدك .
الدكتور بلال :
الله يفتح عليكم يا دكتورنا لهذ الكلام الطيب ، دكتور هي قضية حساسة في المفهوم ، اللغو في الكلام هو ما لا يفيد من الكلام لكن لا يشمل المحرمات ، كالفحش ، والاستغابة ، والكذب ؟
اللغو كل ما سوى الله :
الدكتور راتب :
هو أولاً لا يفيد .
المذيع :
وإن جاز التعبير لا يضر .
الدكتور راتب :
ولا يضر قد يكون الضرر من نوع واحد ، أتلف وقتك ، هذا الوقت أثمن شيء تملكه ، فإذا صرفت هذا الشيء الذي تملكه فيما لا طائل منه ، ولا فائدة منه ، ضيعت وقتك ، وأنت وقت .
المذيع :
ولهذا طُلبنا أن نعرض عنه ، قال ربنا في سورة المؤمنون :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
الدكتور راتب :أنا معي تفسير لكن لا أحب أن أقوله في الإذاعة ، سأقوله سامحونا : اللغو كل ما سوى الله .
المذيع :
أي حديث في شؤون الدنيا يعد باباً من أبواب اللغو .
الدكتور راتب :
إذا كان لا فائدة منه ، أحياناً تقوم بتوعية ، لك هدف من ذلك ، أحياناً عندك هدف تحذيري ، هدف تشجيعي ، ممكن ، فالمؤمن عنده مرونة كبيرة جداً ، أما كلام لا يقدم ولا يؤخر.
المذيع :
يحتاج الإنسان دكتور إلى أن يناقش مختلف تفاصيل الحياة .
لا مانع من حديث بالمباحات لترويح القلوب :
الدكتور راتب :
(( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة))
المذيع :ممكن أن يتحدث في الرياضة ، في الطعام .
الدكتور راتب :
((روحوا القلوب ساعة بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلت عميت))
لا مانع من حديث بالمباحات .المذيع :
ألا يشمله هنا مصطلح اللغو ؟
الدكتور راتب :
لو فرضنا شخص في سهرة ، وفيها ثلاثة أغنياء كبار ، وفيها حوالي خمسة عشر شخصاً من أصحاب الدخل المحدود ، ما قولك إن حدثنا هذا الغني حدثنا أنه أمضى الصيف في سويسرا ، وركب الطائرة الفلانية ثلاث سبعات ، وأقام بفندق عشر نجوم ، والخمسة عشر شخصاً جالسين ، أحياناً يكون الحديث فيه أذى .
أنا أقول : أي إنسان يتكلم كلاماً يشعر الآخرين من خلاله بالصغر ، بهذا الكلام أنت صغّرته ، أشعرته باليأس ، أو قللت نعمة الله عنده .
المذيع :
شيخنا الكريم ، اللغو في الكلام هل يشملها أحياناً المزاح ، هل يشملها الكذب ، هل يشملها كثرة الحلف واليمين بالله سبحانه وتعالى ؟
دكتور فهمت على فضيلتك أنه في الكلام قد لا يصل إلى مرحلة الحرام ، بمعنى الغيبة والكذب ، لكنه مضيعة للوقت .
الدكتور راتب :
لا فائدة منه .
المذيع :
وقد يؤدي إلى الأذى كالإحباط وما شابه ، والأولَى أن يبتعد المسلم عنه .
دكتور الآن هناك لغو في الكذب إن جاز التعبير ، بعض الأشخاص يتحدث هو لا يقصد الكذب لكن تخرج معه هكذا ، مثلاً إنسان يريد أن يستعجله في مهمة يقول له دقيقتين ، هو لا يقصد دقيقتين ، أي مئة وعشرين ثانية من الزمن وإنما أنه مستعجل ، هل يعد هذا لغواً في الكلام أو كذباً ؟
ألفاظ التكسير :
الدكتور راتب :
بالعرف اللغوي أن هذا ليس بكذب ، أنا قلت لك ستين مرة لا أريد أن آكل ، لا لم يقل لك ستين مرة ، قالها لك مرة واحدة ، هذه اسمها في اللغة ألفاظ التكسير ، منها السبعة ، والسبعمئة ، والسبعة آلاف ، ألفاظ التكسير ، إذا قال مثلاً مئة فائدة لهذا الشيء ، وهو له سبع فوائد ، فالسبعة لا تعني السبعة ، تعني رقماً تكسيرياً ، سبع سماوات ، سبع أراضين ، رقم مستخدم بكثرة ، في القرآن وفي السنة ، بعض علماء البلاغة قالوا : هذا الرقم ليس رقماً كمياً ، بل رقماً تكسيرياً ، والعوام يستخدمون هذا الأسلوب قلت لك مئة مرة لا أريد أن آكل .
المذيع :
لا تدخل هنا من باب الكذب .
الدكتور راتب :
لا ، الأولى أن يكون الكلام دقيقاً ، الصغيرة لا تعني الكذب الذي أراده الله عز وجل.
المذيع :
الدلالة واضحة عند الناس لا يقصدوا فعل المئة وإنما الإكثار ، إذا كانت الدلالة مشتركة بين الناس .
الدكتور راتب :
لذلك اخترعوا شيئاً اسمه : رقم تكسيري ، أنا أقول باللغة العامية : ستون ، كل بلد له أرقام ، بلد خمسون ، بلد مئة .
المذيع :
دكتور ماذا عن المزاح ، هل يدخل في اللغو في الكلام الذي أمرنا أن نعرض عنه وألا نكثر منه ؟
الدكتور راتب :
والله يوجد في اللغة مزاح هادف ، أنا أسميه برسم الكريكاتير ، هذه الرسمة قد تستغرق ساعة رسم ، وتستهلك بثانية واحدة .
دخل مرة ملك إلى بستان ، رأى حصاناً يدور حول الرحى ، وقد عصب البستاني عينيه ووضع في عنقعه جلجل أي جرس ، فالملك أحب أن يسأل البستاني لِمَ عصبت عيني هذا الفرس ؟ قال له : لئلا يصاب بالدوار ، ممكن ، قال له : ولِمَ الجلجل في رقبته ؟ قال له : إذا وقف أعلم أنه وقف ، قال له : فإذا وقف وهز رأسه ، قال له : وهل له عقل كعقلك ، طرفة عميقة جداً .
أحياناً يأتي مدير عام معه دكتوراه في إدارة الأعمال ، يعين موظفاً ، يجب على هذا الموظف أن يتصرف وفق علم المدير العام ، أنت أخذت الدكتوراه بعد ثلاثين عاماً ، عينته البارحة وتريده أن يفهم عليك كل شيء ، هذا خطأ كبير .
المذيع :
هنا لو كانت مثل هذه الطرفة دكتور افتراضية وليس حقيقية لا تعد كذباً أو لغواً في الكلام ، لأنه يراد بها الفائدة .
لا يجوز التعميم لأن التعميم من العمى :
الدكتور راتب :
هذه كريكاتير ، أصبحت كالرسم ، يوجد آلاف الطرف بهذا المعنى ، فالطرفة هي رسم كريكاتيري يعبر عنه بمئات الكلمات ، لكن يستهلك بثانية واحدة .
المذيع :
متى يصل هذا الحد إلى اللغو المنهي عنه في الشرع ، كيف أميز ؟
الدكتور راتب :
حينما تكذب إنساناً بعينه ، أو شخصية بعينها ، أو طبقة بعينها ، أو فئة بعينها ، أو أصحاب مصالح بعينها ، هذه مشكلة .
المذيع :
حينما أتحدث عن أشخاص بالاسم ، أو أن يحمل كلامي تجريحاً بحق فئة معينة .
الدكتور راتب :
طبعاً ، أحياناً الإنسان يخطر في باله أنه يوجد الكثير من المحامين لا يصدقون في وعدهم بربح الدعوى ، هل تستطيع أن تقول : المحامون جميعاً يكذبون ؟ هذا خطأ كبير ، لذلك علمونا في الجامعة أن التعميم من العمى ، الأعمى يعمم .
سافرت إلى بلدة لم تعجبك المعاملة ، فكل أهل المدينة منحرفون ، لا ، كلام غلط ، الله ما عمم في القرآن ، قال :
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ َ﴾
ما قال إن أهل الكتاب .﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ َ﴾
فالذي يعمم أحمق ، كنت مرة أحضر رسالة ماجستير في جامعة في لبنان ، أنا طالب في الجامعة ، وكنت أعمل ماجستير ، فألقى الطالب ملخص أطروحته - كان رئيس الجامعة فرنسي - قال له : اسكت ، هذا تعميم ، والتعميم من العمى ، والله وكأنها حفظت في أعظمي هذه الكلمة ، التعميم من العمى ، لا تقل : أهل هذه البلدة منحرفون ، قل إن منهم ، الله لم يعمم ، قال :﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ َلَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾
المذيع :الله يفتح عليكم يا دكتور ، إذاً هذا فيصل في قضايا المزاح ، لا تحمل أذى ، أو لا تخصص إنسان بعينه في هذا الكلام ، دكتور ماذا عن الحد الزمني للكلام ؟
الابتعاد عن التباهي بالنعم لأنها ليست من جهدك بل من فضل الله عليك :
الدكتور راتب :
مرة ، سامحني ، أستاذ في الجامعة ، قمة في اختصاصه ، لكنه ليس قمة في الأخلاق ، ذات مرة تكلمت طالبة مع رفيقتها في القاعة ، وأنا كنت حاضراً ، اختصاصي أدب عربي ، فهو عنفها تعنيفاً شديداً على حديثها مع صديقتها ، قالت له : يا أستاذ ألم يقل النبي : رفقاً بالقوارير ؟ هي صحتها جيدة ، قال لها : لكنه ما قال بالبراميل ، حطمها لآخر السنة ، سحقها .
هناك مزاح لا يمكن أن يقبل ، تهز شخصية الإنسان ، وكان النبي يمزح ولا يمزح إلا حقاً .
المذيع :
أي لا يوجد فيه كذب .
الدكتور راتب :
أبداً لا كذب ، ولا مبالغة ، ولا تحقير إنسان .
المذيع :
وهذا الشيء منتشر هذه الأيام .
الدكتور راتب :
منتشر جداً ، هناك مزاح يهد كيان الإنسان كله ، وأحياناً الغني لا ينتبه لنفسه ، أنت غني ما عندك ولا مشكلة ، يتحدث عن رحلته ، أين قضى الصيف ؟ ماذا أكل ؟ لا ينتبه أن نصف الحاضرين دخلهم محدود .
المذيع :
هذه القضية منتشرة كثيراً دكتور ، قد تكون أم الأطفال تتحدث عن أولادها ، وفلانة لم تتزوج .
الدكتور راتب :
والله أذكر قصة وقعت في الشام لا أنساها أبداً ، ضرتان ، يعني زوجتان لرجل ، الأولى عندها ولد في بطنها ، وولد تحمله على يدها ، وولد يمشي أمامها ، وضرتها لا أولاد عندها فقالت لها باللغة العامية الشامية : طقي موتي ، ولد ببطني ، وولد أحمله ، وولد في الأرض ، والله الثلاثة ماتوا ، والله رزق ضرتها خمسة أولاد .
الله كبير ، إياك أن تحتقر إنساناً ، أو أن تتباهى بنعمة ليست من جهدك بل من فضل الله عليك .
المذيع :
جميل جداً ، ماذا عن الزمن دكتور ؟ هل هناك زمن محدد للكلام المباح أو المزاح ؟
صفات عباد الرحمن :
الدكتور راتب :
لا ، النبي قال :
(( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة))
سيدي في مئات الطرف اللطيفة لا تمس لا طائفة ، ولا فئة ، ولا جماعة ، ولا غني ، ولا فقير ، فيها معنى لطيف جداً .المذيع :
دكتور حينما نقرأ قول الله سبحانه وتعالى من سورة الفرقان في صفات عباد الرحمن :
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾
لا يشهدون الزور أي يشهدون الحق هذه واضحة ، ما المقصود :﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾
الدكتور راتب :أي مرّ على جماعة يتحدثون بموضوع لا يغني ولا يسمن من جوع ، وليس له كلام عليهم ، مر مرور الكرام ، أي أنت أمرك ليس نافذاً عندهم ، كلهم زملاء ، فأنا بهذه الحالة أتجاوزهم .
المذيع :
هل أنا محاسب إذا بقيت للإصغاء ؟
الدكتور راتب :
إذا لم يكُ هناك أي هدف لوجودك هنا سماعك للغو غير مقبول .
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
المذيع :جميل! هذا طبعاً يشبه اللغو الذي هو كما تفضلتم دكتور ؟
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا :
الدكتور راتب :
أذكر إنساناً مدمن خمر في الشام ، كان بحلب ، فذهب إلى الحج وتاب توبة نصوحة لكن نسي أن يبتعد عن أصدقاء السوء ، بقي معهم في سهرة أسبوعية ، في سهرة أرغموه على شرب الخمر ، وكان قد تاب منه وحج ، قال له أحدهم : كم كلفت حجتك ؟ كان مبلغاً فلكياً ، كان المبلغ خمسين ألفاً ، كان الدولار بثلاث ليرات سورية ، قال له : هذه خمسون واشرب ، شرب ، وبعد عشرة أيام توفاه الله ، مات شارب خمر .
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ، والصاحب ساحب .المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، دكتورنا الكريم عندما نتحدث عن اللغو بالكلام لنتأكد من وضوح المصطلح ، نحن نتحدث دكتورنا عن كلام مباح ومفيد لكنه لا يصل إلى مرتبة الحرام بمعنى الكذب والغيبة هذا هو اللغو المقصود به ، أما سوء الكلام فهو محرم من دون نقاش .
الدكتور راتب :
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا .
المذيع :
ما المقصود بهذا دكتور ؟
(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
الدكتور راتب :أحدهم قال كلمة ، قال : هل أنت أخلاقي ؟ لأنك ضعيف ، أنت ضعيف لأنك أخلاقي ، نسف الأخلاق كلها بالحياة بهذه الكلمة ، هذه الكلمة كالسم بالدسم ، مثل هذا الكلام خطير جداً ، أخلاقي ؟ لأنك ضعيف ، ضعيف ؟ لأنك أخلاقي .
المذيع :
دكتور ، الحقيقة الملف يبدو أن الناس أحياناً لا تعطيه هذه القيمة الكبيرة ، وكما يقولون في العامية الكلام لا جمرك عليه ، وكأن الإنسان لا يؤاخذ على كلامه .
كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يمزح إلا حقاً :
الدكتور راتب :
الرد مباشرة :
(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
لذلك المؤمن يعد كلامه من عمله .المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور .
دكتورنا الفاضل ، لا زال كلامنا عن اللغو في الكلام متواصل ، من القضايا المهمة دكتور أن بعض هذه الكلمات قد تكون بعيدة عن الكذب ، قد تكون بعيدة عن المزاح لكن في إنسان يتحدث بها ولا يقصدها ، مثل أن يصنع مقلباً في إنسان ، مثلاً يسأله في قضية معينة ، فهو يوهمه بالكلام أن هذا أفضل شيء يمكن أن تشتريه ، أو أفضل مكان ، أو أفضل طعام ، كيف درجة حرارة هذا الشيء الذي يشربه ؟ يقول لك معتدلة تماماً ، هو يقصد فيها المزاح لكنه يكذب ولا يلقي لها بالاً ، كيف ترى فضيلتك هذه القضية من الناحية الشرعية ؟
الدكتور راتب :
أنا في حياتي الدعوية حالات ليست بالقليلة ، مات صاحبها من خطورة الخبر الذي أبلغ إياه ، وقد أبلغ إياه مزحاً ومات ، هناك أخبار لا يحتملها الإنسان ، يوجد إنسان قلبه ضعيف ، يوجد تفاوت بشري عجيب ، والإنسان فرد ليس له مشابه إطلاقاً ، يوجد إنسان لا يحتمل ، يوجد أخبار كاذبة كثيرة ألقيت على مسامعه من باب الدعابة فقط فقد حياته ، كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يمزح إلا حقاً ، مزاح كذب لا يوجد .
المذيع :
دكتورنا الكريم ، الحقيقة في بعض القضايا قد لا يلتفت لها الإنسان كثيراً في بعض العبارات التي تصدر عنه باعتباره يتكلم أو يدردش ، أو يتحدث بأي كلام كان ، في الحديث دكتور عن النبي عليه الصلاة والسلام ، تقول السيدة عائشة أم المؤمنين :
(( حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ، فقال : ما يسرني أنك حكيت رجلاً ، وأن لي كذا وكذا ، قالت : فقلت يا رسول الله ، إن صفية امرأة ، وقالت بيدها : هكذا ، أي كأنها تعني قصيرة القامة ، فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج ))
وفي لفظ لسيدنا أبي داود :(( فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء لمزجته))
الغيبة تلغى في ثلاث حالات :
الدكتور راتب :
إنها قصيرة .
(( قال : يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))
المذيع :والسيدة عائشة دكتور لم تكن تقصد الإساءة وإنما التوصيف ، أي أنها قصيرة القامة ، ليس من باب الاستهانة أو الاستهزاء ، رغم ذلك يوجد تحذير شديد .
الدكتور راتب :
إذا كانت صفة منطبقة على الشخص هذه غيبة ، البهتان صفة مخالفة لحقيقته ، هذه تبقى غيبة .
المذيع :
نحتاج بحياتنا العادية دكتور أن نصف بعض لناس ، أو بعض السلوكيات ، مثلاً أنا أتعرض إلى ظلم بالعمل ، أقول فلان ظلمني .
الدكتور راتب :
الآن دخلنا بموضوع مهم جداً ، أنت حينما تتكلم عن إنسان بغية التحذير منه لإنسان سوف يتعامل معه لا تعد هذه غيبة ، والغيبة تلغى في ثلاث حالات تقريباً ، حينما تتحدث عن إنسان لشخص عرض عليه أن يعمل في شركة ، والشركة لها مدير سيئ جداً ، وعنده أوامر لا ترضي الله إطلاقاً ، وعنده اختلاط غير معقول في شركته ، أو اختلاس مالي ، شخص طلب نصيحتك عليك أن تنصحه ، تقول له : هذا شخص سيئ ، النصيحة ليس فيها غيبة إطلاقاً .
المذيع :
هذا لصديق أراد أن يتقدم للعمل ، إن لم أتحدث لصديق بل أريد أن أفضفض بالكلام مع أهل بيتي ، هل يجوز لي أن أذكر صفات هذا المدير وهم لن يستفيدوا من هذا الكلام ، فقط من باب الفضفضة أم يعد لغواً ؟
ليس بحكيم من لم يدار من لا بد من مداراته :
الدكتور راتب :
والله أنا أقول الكلام بينهما وسط : ابتعد عن الاسم ، أنا أستخدم مئات الطرف ، شخص حدثني .
المذيع :
أليس الإنسان بحاجة إلى أن يتحدث عن يومياته ونشاطه مع أهله ؟
الدكتور راتب :
إذا كان له شريك صعب ، واتهمه اتهامات باطلة ، متألم جداً منه ، وزوجته نقلت هذا الكلام بجلسة عامة ، وبلغت زوجة هذا الشريك ، فجر قنبلة بهذه العملية .
المذيع :
لو لم تك اتهامات باطلة ، لو كانت اتهامات بحق ، أيضاً لا يجوز أن أنشرها إذا لم تكن هناك حاجة .
الدكتور راتب :
إذا كنت ستستفيد انشرها لا مانع ، أما إذا كان لا فائدة منه إطلاقاً ، وكبرت الخطأ .
المذيع :
هنا الأولى أن أبتعد .
الدكتور راتب :
ليس بحكيم من لم يدار من لا بد من مداراته .
المذيع :
دكتور ، نتعرض بحياتنا إلى بعض الأشخاص الذين يستفزوننا ، ردة فعلنا تجاه مجموعة من الناس نتحدث عنهم كلاماً سيئاً ، مثال : قد تذهب والدة إلى المدرسة لمراجعة قضية بحق ابنها ، مثلاً لا تجد ما تريد من المعلمة ، فحينما تعود تتحدث عن هذه المعلمة ، عن طول قامتها ، عن وزنها ، عن شكلها .
حاجة الاستقامة إلى عزيمة وإيمان :
الدكتور راتب :
لا علاقة لوزنها وطول قامتها بالموضوع ، هذه معلمة سيئة مع ابني ، لا ترى الوظائف مثلاً ، إن ذكرت حقائق متعلقة بالتعلم لا مشكلة إطلاقاً .
المذيع :
لكن لو ذكرتها في جوانب شخصية ، يعد إثماً هنا .
الدكتور راتب :
أنت لك علاقة مع المعلمة إذا كانت تهتم بأولادك أو لا تهتم ، ترى وظائفهم أو لا تراها ، هنا المشكلة ، أنت كن موضوعياً ، هي معلمة تعلم ابنك ، كونها سمينة أو رفيعة لا يهمك .
المذيع :
أحياناً يكون الإنسان مستفز دكتور فكأنه يثأر بالكلام .
الدكتور راتب :
عليه أن يضبط أموره بشكل جيد .
المذيع :
أما إذا فعل هذا فهو آثم ، مرفوض هذا الشيء ، نحن لا نلقِ لها بالاً لهذه الدرجة .
الدكتور راتب :
والله الاستقامة ليست سهلة ، يوجد جنة بعد ذلك ، جنة إلى أبد الآبدين .
المذيع :
دكتور بعض الصفات التي تحمل اتهامات شديدة ومنها عفواً اتهامات بالزنا ، قد يتناولها الناس ليس من باب القصد بالزنا ، مثلاً كأن يقال فلان ابن علاقة غير شرعية لكنه لا يقصد الكلمة بدلالتها ، لكنه يقصد إنساناً مختلفاً ، ما رأي فضيلتكم بمثل هذه الكلمات التي يتناقلها الناس أو بعض الناس ؟
الدكتور راتب :
((إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة))
المذيع :حتى لو لم أك أقصد دكتور ؟
المشكلة في الغيبة في المعنى الذي يُفهم من كلامك :
الدكتور راتب :
لا يوجد شيء اسمه تقصد ، أنت مؤمن عندك منهج ، أنت فضحت إنساناً محصناً ، أحياناً أنا لا أقول كلمة ، أنا أحرك قميصي هكذا ، أعني غير صالح ، هذه أيضاً غيبة ، غيبة مرئية ، غير مسموعة .
((إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة))
المذيع :حتى لو لم يقصد دكتور ؟ جريمة الزنا لأم ، رماها بكلمة من باب المداعبة .
الدكتور راتب :
المشكلة ليس المعنى الذي أردته من كلامك ، المعنى الذي يفهم من كلامك ، كلمة خطيرة جداً ، أنت رأيتها أحياناً بثياب مبتذلة نوعاً ما ، أنت ما اتهمتها بالزنا ، لكن قد تصف هذه المرأة صفة تؤكد أنها زانية ، فأنت نقلت كلاماً بحجم أكبر من حجمه الحقيقي هذا نوع من الغيبة .
المذيع :
الأصل أن على الإنسان أن يغلق فمه الإنسان ولا يتحدث أصلاً في الأعراض ، لو سئل سؤالاً مثلاً للزواج : ما رأيك بفلانة للزواج ؟
الدكتور راتب :
يجب أن يتكلم بكل شيء .
المذيع :
فقط لمن سأل لقضية الزواج .
الدكتور راتب :
لمن يطلب الزواج .
المذيع :
أما عدا ذلك بين الناس العاديين الأصل أن يسكت .
الدكتور راتب :
((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))
أي الجنة له .المذيع :
عفواً دكتور ، لو لم أُسأل بل أتطوع إذا عرفت أن شاباً يريد أن يتقدم مثلاً لابنة الجيران ؟
تلخيص الدين كله بالنصيحة :
الدكتور راتب :
ممكن أن تتطوع ، لك أجر كبير ، إذا الأب مدح البنت مدحاً غير معقول وأنت تعلم خلاف ذلك ، لأنك جار القرب ، يجب أن تبلغ الأب .
((الدِّينُ النصيحة))
النبي لخص الدين كله بالنصيحة ، أنا أذكر أن أخاً من أخواني بعد أن تزوج بشهر أو شهرين ، أخذ زوجته إلى مصيف قريب من الشام ، إلى بلودان ، فزوجته محجبة حجاباً كاملاً ، كانت تمشي في الطريق باتجاه فندق ، في بلودان طفل صغير ، قال له : عم هذه زوجتك ؟ قال له : نعم ، قال له : هذا المكان لا يناسبك ، طفل صغير لا يعقل أن تدخل في هذا المكان ، في الملهى تفلت كبير جداً ، هو لا يعرف ، قال لي هذا الأخ : في حياتي لم أفرح بنصيحة من طفل كفرحي بهذه النصيحة ، قال له أولاً : هذه زوجتك ، قال له : طبعاً ، محجبة حجاباً كاملاً ، قال له : المحل لا يناسبك .((الدِّينُ النصيحة))
.((قلنا : لِمَنْ يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ولرسوله ، ولأَئمة المسلمين وعامتهم))
لو شخص مثلاً اشترى براداً ، ثلاجة ، ما اسمها في الأردن ؟ ثلاجة ، هي موضوعة بشكل أفقي ، الزيت لم يصل للمكان المطلوب وهي أفقية ، مسكين من فرحه بالبراد أوقفه ووضع الفيش ، احترق فوراً المحرك .والله مرة انتقلت من رصيف لرصيف ، قلت له : إياك أن تشغله ، دعه ساعتين أو ثلاث ، الثلاجة إذا نقلتها أنت بشكل أفقي الزيت يتغير مكانه ، لو أوقفته في البيت فوراً وشغلته يحترق المحرك ، انتقلت من رصيف لرصيف لأنصحه ، إياك أن تشغله ، اتركه حوالي ساعة .
المذيع :
يمكن الآن أن نصنف الكلام إلى ثلاثة بنود ، هناك كلام يؤجر عليه الإنسان عالعبادة وكلمة الخير والنصيحة ، وهناك كلام في الجهة المضادة هو إثم وحرام وواضح كالغيبة والكذب وشهادة الزور وما شابه ، بينهما هناك مباحات من الكلام قد تقترب من اللغو وهو يكون أقرب إلى الحرام ، وقد تقترب من الصواب إذا كان الإنسان بنية طيبة وأراد أن يُرَوّح عن قلبه .
الإحباط ينتهي أحياناً بالموت :
الدكتور راتب :
لا مانع .
((روحوا القلوب ساعة بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلت عميت))
المذيع :والإنسان مؤاخذ بما يقول ، وبما يسمع ، فإذا لم يك المجلس أيضاً منضبط ولو لم أك مشاركاً في الكلام أنسحب حتى من السماع ، في حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
((ثلاثة جِدُّهُنَّ جِدُّ ، وَهَزْلُهُنَّ جدّ : النَّكاحُ ، والطَّلاقُ ، والرَّجْعَةُ))
فكرة دكتور ، حتى لماذا المزاح فيهن يعد جد ؟الدكتور راتب :
شخص قال لصديقه : والله أنا أرغب أن أتقرب من بيت فلان ، هو ليس ناوياً ، قال لزوجته ، زوجته قالت لبيت فلان ، فرحوا المساكين ، هو وضعه المادي جيد ، ومثقف ثقافة عالية ، فرحت هذه الفتاة ، شاهدت منامات ، عاشت أسبوع أسبوعين بأحلام ، ثم أُبلغت أن القضية لا أصل لها ، ما الذي حدث لها ؟ هذا اسمه الإحباط ، والإحباط ينتهي أحياناً بالموت .
المذيع :
إذاً دكتور ، ديننا دين وقاية ، يقي المسلم من أن يقع في المشاكل من بدايتها ، أختم معك دكتور بآخر ملف ، قال الله تعالى في سورة المائدة :
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾
ما المقصود هنا باللغو في الأيمان ؟الدكتور راتب :
أنا أعرفها بالبلاد كلها : والله ما أكلت جيداً ، والله ، تقول والله بشكل دائم ، القسم عنده شيء من لغو الكلام ، لا يقصد اليمين إطلاقاً ، والله ما وجدت أحداً ، ذهبنا لمكان والله ما وجدنا أحداً ، لماذا والله ما وجدنا أحداً ؟ هذه درج عليها الإنسان ، ثلاثة أرباع كلامه فيه قسم باسم الله عز وجل ، لا داعي لذلك .
المذيع :
وأحياناً لا يكون في مكانه ، مثلاً قد يدعوني أحد للطعام وأنا أخجل أقول : والله شبعان ، هل يعد هنا أيضاً لغواً في اليمين ؟
المؤمن لا يكذب إلا بحالة واحدة هي الإصلاح :
الدكتور راتب :
طبعاً اسكت ، أنا ماذا أقول ؟ أولاً الضيف لا يُستأذن بالطعام ، خمسة آداب للطعام ، ألا تستأذن الضيف بالطعام ، أن يأتي الطعام سريعاً ، أن يكون طيباً ، أن تقربه له ، أن تدعوه أن يأكل منه .
المذيع :
دكتور ، أعود إلى فكرة اللغو في الأيمان ، إذا الإنسان كلمة والله على لسانه ولا يقصد بها أن يكون حالفاً بمعنى كلمة حلف ، وإنما هي لغو في الكلام ؟
الدكتور راتب :
عليه أن يستغفر الله .
المذيع :
لا يؤاخذ عليها ؟
الدكتور راتب :
لا لا يؤاخذ ، لكن لا بد من الاستغفار ، الحقيقة أنا أقول لك الكلمة الدقيقة : المؤمن المتفوق يحاول أن يبدل من عاداته ، وهذه عادة سيئة .
المذيع :
للتأكد عفواً دكتور ، حتى لو لم تك بحق ، ضربنا مثالاً الطعام ، لو أنا كنت جائعاً وقال لي : تفضل ، وقلت له : والله شبعان ، لا يعد هنا كذباً .
الدكتور راتب :
لا ، لكن هذا غلط ، شكراً أنا الآن عندي موعد ثان .
المذيع :
لكن من باب الخجل لو قلت هذه العبادة لا يعد حلفاً ؟
الدكتور راتب :
والله شبعان ، لأنها ليست صحيحة ، المؤمن لا يكذب إلا بحالة واحدة يكذب بالإصلاح كأن يوفق بين شريكين ، قال له : والله مدحك ، فارتاح الشريك ، وعرف قيمتك ، ويعرف خبرتك ، وبغير ذلك هو ما قصر معك بالمال ، هنا لا شيء فيها ، الكذب بالإصلاح .
امرأة قالت : أتحبني ؟ إذا كانت هي متوسطة الجمال ، والحقيقة هو ليس معجباً بجمالها إطلاقاً ، ولكنها زوجته ، وأم أولاده ، هل يقول لها : لا أحبك ؟ المفروض أن يتكلم كلاماً طيباً ، لا يعد طذباً على الإطلاق .
قالت له : كيف حبك لي ؟ السيدة عائشة ، قال لها : كعقدة الحبل ، لأن العقدة لا تفك ، من حين لآخر تسأله : كيف العقدة ؟ يقول : على حالها .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، نفعنا الله بسيرة نبينا الكريم ، وأيضاً نفعنا الله بعلمكم يا دكتور محمد ، نختم حلقتنا بالدعاء ، ونسأل الله القبول .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين .
خاتمة و توديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ونسأل الله تعالى أن يكتب لكم أجراً كاملاً لهذه الحلقة .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته